/ الفَائِدَةُ : (13) /
25/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / تجلِّي الصفات والْأَسْمَاء الإِلهيَّة في حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة هي : الصفات والْأَسْمَاء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ـ فعليَّة كانت تلك الصفات والْأَسْمَاء أَم ذاتيَّة ـ ، وخلصت من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وصارت تجلِّيات وظهورات للذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة اَنعكست وظهرت وتجلَّت فيها كافَّة : صفات وأَسماء وكمالات وشؤون الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً. نظيره : أَوَّلاً : المرآة شديدة : الصقل ، والصَّفاء ، والفناء ، والحكاية ، والإِنعكاس ؛ فإِنَّها بعدما كانت فانية فناء حكاية في محكيِّها ، فلا تُري نفسها ، بل محكيِّها انطبعت فيها كافَّة صفات وشؤون محكيِّها ـ الشَّاخص الخارجي ـ ، وأَخذت صورتها بالتَّبع جملة صفاته وأَسمائه وشؤونه إِلَّا ما خرج موضوعاً وتخصُّصاً. وإِلى هذا تُشِير بيانات الوحي ، منها : بيان خُطْبَة أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : « الحمدُ للّٰـه الَّذي ... تتلقَّاه الأَذهان لا بمشاعرة ، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة ، لم تحط به الأَوهام ، بل تجلَّىٰ لها بها ، وبها امتنع منها ، وإِليها حاكمها ... »(1). ثانياً : (الصَّرح) الوارد في قضيَّة بلقيس مع النَّبيّ سليمان عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، الواردة في بيان قوله جلَّ قوله : [ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] (2) ، فإِنَّه لِشِدَّة خلوصه وصفائه وانعكاسه وتمرُّد وفناء ذاته في الحكاية ، فلم يُرِ نفسه ، بل محكيِّه ـ اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير ـ انعكست فيه(3) جميع صفاته(4) وأَسمائه وشؤونه ، فحسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ؛ وأَنَّه : (صرح مُمَّرد) تمرَّدت ذاته وفنيت في حكاية ذيه آمنت بالله تعالىٰ من دون نظر وتدبُّر ومهلة وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة توحيديَّة إِلى معنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة. وهذا ما يوضِّح : نُكْتَةُ وفلسفة إِسناد الباري ـ المُسمَّىٰ ـ (تعالىٰ ذكره) لإِسمين وصفتين من أَسمائه وصفاته المُقدَّسة في كتابه الكريم ، وهما : (ذو الجلال) و(ذو الإِكرام) ، فتارة أَسندهما إِلى ذاته المُقدَّسة. فانظر : بيانه جلَّ قوله : [تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ](5) ؛ فإِنَّ (تَبَارَكَ) : فعل ماضي ، و(اسْمُ) فاعل ، و(رَبِّكَ) مضاف إِليه مجرور بالكسرة، و(ذِي) صفة (رَبِّكَ) ؛ فأخذت حكم الموصوف وهو (الرَّبّ) فجُرَّت بـ : (الياء) ؛ لأَنَّها من الأَسماء الخمسة ، و (الْجَلَالِ) مضاف إِليه، و(الْإِكْرَامِ) معطوف على الْجَلَالِ . إِذنْ : صفة واسم (ذِي الْجَلَالِ) و(الْإِكْرَامِ) أسندهما الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ ذكره) في المقام إِلى ذاته المُقدَّسة. وتارة أُخرىٰ أسندهما إِلى (وجه الرَّبِّ) ، وهو أَحد المخلوقات المُكرَّمة ؛ وطبقة من طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة في عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة ، وهو(6) أَحد المرادفات الإِلٰهيَّة العقليَّة للإسم الإِلٰهي والصفة الإِلٰهيَّة . وحينئذٍ يَصحُّ إِسنادهما(7) إِلى الاسم الإِلٰهي والصفة الإِلٰهيَّة أَيضاً من دون حزازة ولا شائبة إِشكال. فلاحظ : بيان قوله علا ذكره : [وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ](8). فإِنَّ (يَبْقَى) فعل مضارع ، و(وَجْهُ) فاعل مرفوع بالضمة، و(رَبِّكَ) مضاف إِليه مجرور بالكسرة، و(ذُو) صفة (وَجْهُ) ، فأخذت حكمه فرفعت بـ (الواو) ؛ لأَنَّها ـ كما تقدَّم ـ من الأَسماء الخمسة ، و(الْجَلَالِ) مضاف إِليه ، و(الْإِكْرَامِ) معطوف على الْجَلَالِ. وإِلى كلِّ هذا تُشير بيانات الوحي الواردة في حقِّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ (9) : « ... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ؛ فإِنَّ اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) قد أَعطانا أَكبر وأَعظم مِـمَّا يصفه واصفكم ، أَو يخطر على قلب أَحدكم ، فإِذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون ... لا تسمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لنا ، ولا معشار العشر... »(10). ودلالته قد اتَّضحت ؛ فإِنَّ جملة صفات الذات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة وأَسمائه (تقدَّس ذكره) وكمالاته وفضائله وشؤونه قد انعكست وظهرت وتجلَّت في طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، منها : (صفة عدم التناهي) ، ومن ثَمَّ كيف تُحيط المخلوقات ـ بعد ما كانت متناهية الحقائق ـ بكُنْه غير المتناهي ، وبكُنْه صفاته وأَسمائه وكمالاته وأَفعاله وفضائله وشؤونه غير المتناهية. وهذا ما يُشير إِليه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) بقوله : « وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لنا، ولا معشار العشر» ؛ فإِنَّ (لن) تفيد التأبيد في جملة النَّشَآت والعوالم ، منها : عَالَم الآخرة الأَبديَّة وما بعده ، كما هو واضح. وهذا ما تُشِير إِليه بيانات الوحي الاخرى ، منها : 1 ـ بيان الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ (11) : « ... أَيُّها النَّاس إِنِّي لو قمتُ حولاً فحولاً أذكر الَّذي أعطانا الله (عَزَّ وَجَلَّ) وخصَّنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لم أُحصه ...»(12). 2 ـ بيان الإِمام الكاظم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لا تعجب ، فما خفي عليك من أَمر الإِمام أَعجب وأَكثر ، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطيرٍ أَخَذَ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أَفَتَرىٰ الَّذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاَ ؟ قال : فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أَكثر من ذلك ، والطَّير حين أَخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً ... »(13). والنُّكْتَة : واضحةً أَيضاً ؛ فإِنَّ المخلوق مهما علا شأوه وشأن كُنْهه يبقىٰ متناهياً على مَرِّ النَّشَآت والعوالم ، فكيف يُحيط بكُنْه وحقيقة غير المتناهي ، وبكُنْه وحقيقة صفاته وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وفضائله وشؤونه . وإِلَّا لانقلبت ماهيَّة غير المتناهي وصارت متناهية ، وبطلان ـ بل واستحالة ـ انقلاب الماهيَّة من الواضحات ، بل وخلف الفرض . 3 ـ ما قرَّره أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في قاعدة معرفيَّة وعقليَّة جزلة وبديهيَّة ، خطيرة الثمار ، عظيمة الفائدة ، يأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) التَّعَرُّض لبيانها وبيان أَدلَّتها (14)، وهي : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بكُنْهه كان أَعظم من الموصوف). وهذه القاعدة الشَّريفة تنحلُّ إِلى قاعدتين : الأُولىٰ : (أَنَّ مَنْ وصف شيئاً بالكُنْه فقد أَحاط به). الثَّانية : (أَنَّ مَنْ أَحاط بشيءٍ كان أَعظم منه). والمراد من الإِحاطة في هذه القاعدة : أَعمُّ من التَّجرُّديَّة والعقليَّة والجسميَّة(15). وهذه القاعدة غفلت عنها أَجيال العلماء ، بل لم يُسلِّم بها فلاسفة الإِماميَّة فضلاً عن غيرهم مع بداهتها ، نعم سلَّم بها أَهل المعرفة ، اقتباساً من بيانات الوحي ، وتفطَّنوا إِلى إِشاراتها (16) الإِرشاديَّة ؛ وأَنَّ كُلَّ معرفةٍ بالذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة لا تخرج عن الظُّهور والتَّجلِّي ، أَي : معرفة بالآيات. وعليه : فلا يمكن لجملة المخلوقات من رأس هرمها ؛ فعل اللَّـه ومخلوقه الأَوَّل : سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فما دون وصف كُنْه (الذَّات الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً ، وعبر جملة العوالم والنَّشَآت ، وإِلَّا فدعوىٰ كفر وإِلحاد . وهذا أَحد تفاسير بيان قوله تعالىٰ : [وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ](17). نعم ، يمكن للمخلوق معرفته (سبحانه وتعالىٰ) من وجهٍ ، ومن خلال أَسمائه وصفاته وأَفعاله وآثاره ، وهذه المعرفة على مراتب غير متناهية. وعلى هذا قس معرفة فعل اللَّـه ومخلوقه الأَوَّل ؛ سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ فإِنَّه لا يمكن لسائر جملة المخلوقات من فعل اللَّـه ومخلوقه الثاني سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فما دون معرفته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ووصفه بالكُنْه. وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ ذكره : [انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا](18). وهكذا الحال في معرفة فعل اللَّـه ومخلوقه الثاني؛ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ؛ فإِنَّه لا يمكن لسائر جملة المخلوقات من فعل اللَّـه ومخلوقه الثالث فاطمة الزهراء (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها) فما دون معرفته (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ووصفه بالكُنْه. وهذا ما تُشِير إِليه بيانات الوحي أَيضاً ، منها : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ما عرَفَكَ إِلَّا اللَّـه وأَنا »(19). وكذا الحال في معرفة فعل اللَّـه ومخلوقه الثالث ؛ فاطمة الزهراء صلوات اللَّـه عليها ؛ فإِنَّه لا يمكن لسائر المخلوقات ، وفي جملة عوالم الخلقة أَبد الآباد ودهر الدهور من فعل اللَّـه ومخلوقه الرَّابع الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فما دون معرفتها صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها ووصفها بالكُنْه. وعلى هذا قس حال سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بحسب مراتبهم في الحُجِّيَّة. وإِلى جملة ذلك تُشِير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، عن جابر بن عبداللَّـه الأَنصاري، قال : « ... فقلتُ : يا رسول اللَّـه ، هذه حالنا فكيف حالكَ وحال الأَوصياء بعدكَ في الولادة؟ فسكت رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مليّاً ثُمَّ قال : يا جابر ، لقد سألت عن أمرٍ جسيم ، لا يحتمله إِلَّا ذو حظ عظيم ، إِنَّ الأَنبياء و الأَوصياء مخلوقون من نور عظمة اللَّـه جلّ ثنآؤه ... فأمرهم يجلُّ عن أَنْ يوصف ، وأَحوالهم تدّقُّ عن أَنْ تُعلم ؛ لأَنَّهم نجوم اللَّـه في أَرضه ... وأَنواره في بلاده ... يا جابر ، هذا من مكنون العلم ومخزونه ، فاكتمه إِلَّا من أَهله »(20). 2ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... مَنْ ذا ينال معرفتنا أَو يعرف درجتنا أَو يشهد كرامتنا أَو يدرك منزلتنا؟ حارت الأَلباب والعقول ، وتاهت الأَفهام فيما أَقول ، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء، وكلَّت الشعراء، وخرست البلغاء، ولكنت الخطبآء، وعجزت الفصحآء، وتواضعت الأَرض والسمآء عن وصف شأن الأَوليآء. وهل يُعرف أو يُوصف أو يُعلم أَو يُفهم أَو يُدرك أَو يُملك من هو شعاع جلال الكبريآء، وشرف الأَرض والسَّمآء؟ جلَّ مقام آل مُحمَّد ’ عن وصف الواصفين ونعت الناعتين، وأَنْ يُقاس بهم أَحد من العالمين، كيف وهم الكلمة العليآء، والتَّسمية البيضاء، والوحدانيَّة الكبرىٰ الَّتي أَعرض عنها من أَدبر وتولَّىٰ، وحجاب اللَّـه الأَعظم الأَعلىٰ...»(21). 3ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن مالك بن أَعين ، قال : « أَقبل إِلَيَّ أَبو عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ فقال : ... يا مالك ، تراك فقد أَفرطت في القول في فضلنا ؟ إِنَّه ليس يقدر أَحد على صفة اللَّـه وكُنْه قدرته وعظمته ، فكما لا يقدر أَحد على كُنْه صفة الله وكُنْه قدرته وعظمته ؛ وللَّـه المثل الأَعلىٰ ، فكذلك لا يقدر أَحد على صفة رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وفضلنا ، وما أعطانا اللَّـه ، وما أَوجبه من حقوقنا ... »(22). ودلالة الجميع قد اِتَّضحت. وبالجملة : مَنْ يتخيَّل إِمكانيَّة إِكتناه (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، أَو إِمكانيَّة إِكتناه حقائق وذوات : (الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة) أَو (الآيات الإِلٰهيَّة الكبرىٰ) أَو (المخلوقات العظمىٰ) طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ولو كان ذلك تخيُّلاً بسبر فكره وبقراءته ومطالعته للمباحث الفكريَّة والمعرفيَّة والعقائديَّة والفلسفيَّة فقد ارتطم ـ كما يرتطم الحمار بالطين ـ بالوَهَمِ والكفر والإِلحاد الجلي أَو الخفي شعر بذلك أَم لا ، ووقع في محذور الفرعونيَّة ، وصار جبتاً وطاغوتاً ، وصيَّر نفسه صنماً ليُعكف ويُطاف عليها . بعد الالتفات : أَنَّ حقيقة صنم الفكر تكمن في أَن يُجعل طواف الفكر حول غير المعصوم . ومن كُلِّ هذا تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما : « ما عرفني إِلَّا اللَّـه وأنتَ »(23) ؛ فإِنَّ معرفة الباري (تبارك اسمه) بسَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ معرفة ووصف بالكُنْه ، ومعرفة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ معرفة ووصف بوجهٍ ، أَي : من خلال أَسمائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وصفاته وأَفعاله وآثاره. نعم ، المعرفة في بيان قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ما عرفكَ إِلَّا اللَّـه وأَنا »(24) أَنَّ كلا المعرفتين بالكُنْه. بخلاف بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ما عرف اللَّـه إِلَّا أَنا وأَنتَ»(25) أَنَّ كلا المعرفتين من وجهٍ ، ومن خلال الأَسماء والصفات والأَفعال والآثار الإِلٰهيَّة . / خلط الملائكة بين الذات المُقدَّسة وحقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة/ ومن كُلِّ ما تقدَّم تتَّضح : نُكْتَةُ حصول الخلط والإِشتباه لدىٰ جملة الملائكة عَلَيْهم السَّلاَمُ ـ منهم المُقرَّبين ؛ كـ : إِسرافيل وجبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، مع أَنَّ الجميع معصومون ـ وعدم تمكُّنهم من التمييز بين صفات وأَسماء وكمالات وشؤون : (الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) ، وصفات وأَسماء وكمالات وشؤون: (طبقات حقائق سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة)؛ والنُّكْتَةُ : ما تقدَّمت الإِشارة إِلَيْه ؛ من أَنَّ جملة صفات وأَسماء وكمالات وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ـ إِلَّا الأُلوهيَّة ـ قد انعكست وتجلَّت وظهرت في تلك الطبقات المهولة العظيمة الخطيرة الشَّريفة ، إِفاضة من الذَّات المُقدَّسة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... أَوَّل ما خلق اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) : خلق أَرواحنا ... ثُمَّ خلق الملائكة فلمَّا شاهدوا أَرواحنا نوراً واحداً استعظموا أَمرنا فسبَّحنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّا خلق مخلوقون ، وأَنَّه مُنزَّه عن صفاتنا ، فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا ونزَّهته عن صفاتنا ، فلَمَّا شاهدوا عظم شأننا هلَّلنا ؛ لتعلم الملائكة : (أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه) وأَنَّا عبيد ، ولسنا بآلهة يجب أَن نُعبد معه ، أَو دونه ، فقالوا : (لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه) ، فلَمَّا شاهدوا كبر محلّنا كبَّرنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّ اللَّـه أَكبر من أَنْ ينال عظم المحل إِلَّا به ، فلَمَّا شاهدوا ما جعله لنا من العزَّة والقوَّة قلنا : (لا حول ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه) ؛ لتعلم الملائكة : أَن لاحول لنا ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه ، فلَمَّا شاهدوا ما أَنعم اللَّـه به علينا وأَوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : (الحمد للَّـه) ؛ لتعلم الملائكة : ما يحقُّ للَّـه تعالىٰ ذكره علينا من الحمد على نعمته فقالت الملائكة : (الحمد للَّـه) ، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد اللَّـه وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ...»(26). 2ـ بيان حديث المعراج ، عن الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... إِنَّ اللَّـه (العزيز الجبَّار) عرج بنَبيِّه إِلى سبعاً ... ثُمَّ عرج به إِلى السماء الدُّنيا فنفرت الملائكة إِلى أَطراف السماء ثُمَّ خرَّت سُجَّداً فقالت: (سبوح قدوس ربّنا وربّ الملائكة والروح)، ما أَشبه هذا النُّور بنور ربّنا. فقال جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (اللَّـه أكبر، اللَّـه أكبر). فسكتت الملائكة ، وفتحت أَبواب السَّماء ، واجتمعت الملائكة ثُمَّ جاءت فسلَّمت على النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَفواجاَ ... ثُمَّ عرج به إِلى السماء الثانية ، فلَمَّا قرب من باب السماء تنافرت الملائكة إِلى أَطراف السَّماء وخرَّت سجَّداً وقالت: (سبُّوح قدوس ربّ الملائكة والرُّوح ، ما أَشبه هذا النور بنور ربّنا) . فقال جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ...) فاجتمعت الملائكة وفتحت أَبواب السماء ، وقالت : يا جبرئيل ، مَنْ هذا معك ؟ فقال : هذا محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ... قال : رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ... ثُمَّ عُرج بي إِلى السَّماء الثالثة فنفرت الملائكة إِلى أَطراف السَّماء ، وخرَّت سجَّداً ... ثُمَّ عُرج بي إِلى السَّماء الرابعة ...»(27). 3ـ بيان حديث المعراج ، عن الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... إِنَّ رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان نائماً في ظلِّ الكعبة ، فأَتاه جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ... فأيقظه ... ثُمَّ صعد به حتَّىٰ انتهىٰ إِلى أَبواب السَّماء ، فلمَّا رأته الملائكة نفرت عن أَبواب السَّماء وقالت : (إِلٰهين ؛ إِلٰه في الأَرض وإِلٰه في السَّماء ، فأمر اللَّـه جبرئيل فقال : (اللَّـه أَكبر...) ، فتراجعت الملائكة نحو أَبواب السَّماء وعلمت أَنَّه مخلوق ؛ ففتحت الباب ، فدخل رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حتَّىٰ انتهىٰ إلى السَّماء الثانية ، فنفرت الملائكة عن أَبواب السَّماء فقالت : (إِلٰهين ؛ إِلٰه في الأَرض ، وإِلٰه في السَّماء) فقال جبرئيل : (أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ...) فتراجعت الملائكة وعلمت أَنَّه مخلوق ثُمَّ فُتح الباب فدخل عَلَيْهِ السَّلاَمُ ... »(28). ودلالة الجميع قد اتَّضحت ، ولا غبار عليها ، فتأمَّل جيِّداً . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 4 : 261/ح9. (2) النمل : 44 . (3) مرجع ضمير : (فيه) : (الصرح) ، كمرجع الضمائر المُتقدِّمة ؛ المُتصلة بكلمة : (فإِنَّه) و(صفائه) و(انعكاسه) و(ذاته). و(نفسه) و(محكيِّه). (4) مرجع الضمير المُتَّصل بكلمة : (صفاته) و(أسمائه) و(شؤونه) و(لتتخطَّاه) : المحكي ، وهو : اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير والوفير. (5) الرحمٰن: 78. (6) مرجع الضمير: (وجه الرَّبّ). (7) مرجع الضمير: (اسم وصفة: (ذو الجلال) و(ذو الإِكرام)). (8) الرحمٰن: 27. (9) يجدر الاِلتفات: أَنَّ هذا البيان الشريف مستفيض ، بل متواتر عن أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّ الثابت بالإِستقراء الناقص أَنَّه وارد عنهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بإِثني عشر طريق . وإِذا ضُمّ إِلى مرادفاته العقليَّة ـ منها: ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) في الدليل والبيان الثاني والثالث ـ يصبح سنده فوق المتواتر. (10) بحار الأَنوار، 26: 1ـ7/ح1. (11) لا بأس بصرف النَّظر في المقام إِلى القضايا التَّالية : القضيَّة الأُوْلَىٰ : / من مُميِّزات وخصائص الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ/ هناك مُميِّزات وخصائص امتاز بها الإِمام الحسن المُجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ واختصَّ بها ، تُعطي شرائط وضوابط خاصَّة لدوره صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ودور إِمامته تختلف عن شرائط وضوابط أَدوار سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ واما متهم ، ينبغي صرف النَّظر إِليها ، منها : أَوَّلاً : أَنَّ جدَّه سَيِّد الْأَنْبِيَاء (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وعلى آلهما) ورَّثه (سؤدده وهيبته) ، وهو توريث تكوينيّ ، له مغازي تفاعليَّة مع الأَدوار : الدينيَّة والحضاريَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة . ثانياً : أَنَّه لا يوجد في كلامه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ، ولا في خطابه العقائدي والمعرفي والسياسي مع الخصوم ـ كالمستولي الأَوَّل والثاني والثالث ومعاوية ـ منذُ نعومة اظفاره بعد استشهاد جدّه سَيِّد الْأَنْبِيَاء (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وعلى آلهما) إِلى استشهاده صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَي مداهنة ومواراة وإِنْ كان بالتعبير، بل ليس في كلامه وبياناته أَي عموميَّات، وإِنَّما صريح ومُقْنِع، يفلج بالحقائق في كافَّة القضايا الُمعقَّدة، ويكشف أَوراق الطرف بشكل جليٍّ. وهذه خِصِّيصة عظيمة امتاز بها (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وعلى طول الخطّ في حركاته وسكناته، وحلّه وترحاله، وقيامه وقعوده، ويُعبَّر عنها بـ : السُّؤدد والهيبة السياسيَّة والدِّينيَّة. فلاحظ: بیاناته (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) والنقول التأريخيَّة، منها : 1ـ خاطب في بدايات حياته المستولي الأَوَّل ولمرَّات عديدة بجرأة لا مهادنة ولا هوادة فيها ـ حينما يخطب على منبر سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ : «انزل عن منبر جدِّي وأَبي» [بحار الأَنوار، 28: 232/ح19]، ويتعرَّض المستولي الأَوَّل في كُلِّ مرَّةٍ إِلى حرجٍ شديدٍ لا يعرف كيف يدفع اعتراضه، فانزعج هو والمستولي الثَّاني، فأَرسلا إِلى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وقالا له: «أَأَنت أَوعزتَ لابنكَ الحسن ليخاطبنا بهذا ؟». 2ـ خطب صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بعد الهدنة في الكوفة وبمحضر معاوية: «... ولم نزل أَهْل الْبَيْتِ مظلومين منذ قَبَضَ اللّٰـه نبيَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ...». بحار الأَنوار، 44: 62ـ 63/ح12. وهذه الخُطب نقلتها العامَّة والخاصَّة، مع أَنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لم يُبح ذلك لنفسه مُطلقاً، وتكلَّم بمثله في مواضع محدودة، بل لم يحصل تركيز من سيِّد الشُّهداء (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) في خطاباته على ظُلامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في السَّقيفة، ولا ظلامات والده أَمير المؤمنين ووالدته فاطمة الزَّهراء (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهم). القضيَّة الثَّانية: / الموازنة في التَّقيَّة والحذر الأَمني سُنَّة عظيمة حصلت من الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ/ هناك سُنَّة عظيمة حصلت في حياة الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وهي الموازنة في قضيَّة التَّقيَّة، أَو الموازنة في قضيَّة الحذر الأَمني، فإنَّ التَّقيَّة بعدما كانت برنامجاً أَمنيّاً فلا تُستخدم في كُلِّ ظرفٍ ومكان وزمان. القضيَّة الثَّالثة: / هدنة الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ملحمة معرفيَّة وفكريَّة/ إِنَّ ما قام به الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ من هدنة مع معاوية: ملحمة معرفيَّة وفكريَّة؛ ومناورة وبراكماتية ضخمة جِدّاً لا زالت نخب البشر مُتلعثمة فيها. القضيَّة الرَّابعة: / محافظة الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ على أَسباب القوَّة لديه ولدىٰ اتباعه/ إِنَّه في حين عقدا الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الإِتفاقيَّة مع معاوية تحفَّظ على أَسباب القوَّة والقدرة العسكريَّة لدية ولدىٰ اتباعه، فَمِن شرائطها أَنَّه يُبقىٰ على تياره واتباعه وعسكره بتمام جاهزيتهم كقوَّة ضاربة، بل تُؤمَّن لهم كافَّة مُقوِّمات البقاء، منها: الجانب الاقتصادي، بل هذه الإِتفاقيَّة كانت مناورة ذكية منه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لابعاد جيشه واتباعه عن المطاحنات لتبقىٰ بين الفرقاء. القضيَّة الخامسة: / الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ جعل من الهدنة بينه وبين معاوية بين ندَّين وقطبين مُتوازيين/ حينما وقَّع الإِمام الحسن المُجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَقْد الهُدْنَة مع معاوية ثارت ثائرة معاوية غضباً وعزم على الانتقام من عمرو بن العاص، لأَنَّ غايته من هذه الهدنة ليست ابقاء الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ على حاله وعلى قوَّته وقدرته وجيشه كما يشتهي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، بل قصقصة أَجنحته وإِبادته وازالته وجيشه واتباعه، لا أَنْ تُجعل الهدنة بين ندَّین وقطبین متوازيین، كما أَرادها الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ من خلال مناورة عظيمة قام بها، فمعاوية كان لا يُريد الاعتراف أَصلاً بوجوده صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وبوجود جيشه واتباعه، ومن ثَمَّ ظنَّ أَنَّ عمرو بن العاص احتال عليه. القضيَّة السَّادسة: / من سُنن الإِمام الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ التَّضحية بالسمعة لأَجل الصَّالح العظيم/ بيَّنَ الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ من خلال هُدْنَته مع معاوية سُنَّة عظيمة جِدّاً، حاصلها: أَنَّه يجب على الولي والقائد والحاكم الشرعي إِذا رأىٰ أَمراً يصبّ في صالح الدِّين وأَهل الدِّين وقد غفلت عنه كُلّ الأُمَّة أَنْ لا يُفرِّط به، بل يلزم عليه رعايته وإِنْ استلزم ذلك التَّضحية باسمه وسمعته ومُحبِّيه ومريديه واتباعه. وهذه نُكْتَه مُهمَّة جِدّاً في القيادة والإِمامة، وفي الحاكم والسَّائس للدِّين أَو للدنيا، سواء أَكان ذلك في القيادة الدِّينيَّة أَو القيادة السياسيَّة أَو القيادة القضائيَّة. إِذَنْ: يجب على من يتمتَّع بمنصب القائد أَو الولي أَو مَن له صلاحيَّات في موقعٍ مُهمّ من مواقع نظام الدِّين أَو الدُّنيا التَّحَلِّي بهذه الصفة، وهي: بُعد الرؤية في الإِمامة والقيادة، ومن ثَمَّ يحب عليه أَنْ لا يُضحِّي بالصَّالح الخطير لأَجل المحافظة على سمعته بين مُريديه وقاعدته الشَّعبيَّة. (12) بحار الأَنوار، 10: 142. (13) المصدر نفسه، 26: 190 ـ 191/ح2. قرب الإِسناد: 144. (14) مَنْ أَراد الإِطِّلاع على بيان هذه القاعدة وبيان أَدلَّتها فليراجع ما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) في باب الأَسماء والصفات الإِلٰهيَّة في مسألة خاصَّة بها. (15) سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) التعرُّض لأَنواع الإِحاطة وضروبها في المُقدّمة السابعة فانتظر. (16) مرجع الضمير: (بيانات الوحي). (17) آل عمران: 28. (18) الفرقان: 9. (19) مناقب آل أبي طالب، 3: 267. إِرشاد القلوب، 2: 209. (20) بحار الأَنوار، 57: 352 ـ 353/ح36. الفقيه: 589. (21) بحار الأَنوار، 25: 169ـ174/ح38. (22) بحار الأَنوار، 71: 226/ح18. المحاسن: 143. (23) مختصر بصائر الدرجات: 125. مناقب آل أَبي طالب، 3: 267. إِرشاد القلوب، 2: 209. (24) مختصر بصائر الدرجات: 125. (25) المصدر نفسه. (26) بحار الأَنوار، 18: 345 ـ 347/ح56. علل الشرائع: 13 ـ 14. عيون أَخبار الرضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : 144ـ 146. (27) بحار الأَنوار، 79: 237 ـ 242/ح1. علل الشرائع، 2: 2ـ6. الكافي، 3: 482 ـ 486. (28) تفسير العيَّاشي، 1 / رقم: (531): 177 ـ 178